الأحد، 12 يونيو 2016

الفجيرة.. مدينة تنام على حافة البحر وشاهد على عمق التاريخ وغنى التراث



 من شيخة الغاوي..
الفجيرة في 11 يونيو/ وام
 الفجيرة ثغر الإمارات الباسم وتاج على رأس الخليج مفردة نابضة في معجم التاريخ الضارب في القدم وهذه المدينة الملتحفة بعبق تراثها والساكنة في أتونه تلهم الحنين الى احضان الطبيعة البكر وروائع تراثها ومكنونه الخصيب حيث تفاصيل تقاسيمها الغناء بين الجبال وممرات قراها وبين ردهات قلاعها الشامخة في وجه الزمن أو القرية القديمة وحكاياتها الموغلة في القدم.
صور شتى تتجلى في ربا هذه المدينة المسكونة بتواشيح الهيبة والوقار المتدثرة بخصوصية انتمائها للتراث وحرفنة الصناعات التي تعد طقوسا يومية يمارسها الانسان الإماراتي في صياغة لغة الفخار.
ويوم تقودك قدماك لزيارة الفجيرة الشامخة ستقف برهة من الزمن كي تستعيد فلسفة الذاكرة لتقف إجلالا لمدينة يسمو تاريخها ليعانق السحاب..
فالفجيرة وحدها التي تحاكي بهاء التاريخ وعراقة المدن وترسم في ذاكرة الوطن قصيدة عشق لا تنتهي فصولها.
ولم تثبت رواية مؤكدة يمكن الاستناد إليها حول تسمية امارة الفجيرة بهذا الاسم فالبعض رجح ان يكون الاسم اطلق عليها بسبب تفجر عيون الماء الموجودة بالمنطقة وبعض الآراء تقول ان الإمارة سميت بهذا الاسم لشدة الفقر والعوز في سالف الزمان والمكان وورد في كثير من المراجع التاريخية انها كانت تعرف في العصور القديمة بأرض /عمالقة البحار/ ولكن يبقى القول الأرجح والذي يأخذ به الأغلبية من المؤرخين والباحثين هو ان التسمية جاءت نسبة إلى تفجر ينابيع الماء من تحت الجبال المنتشرة في المكان.
تبعد مدينة الفجيرة عن العاصمة أبوظبي حوالي 200 كيلومتر وتمتد شواطئها على بحر العرب بمسافة 90 كيلومترا من قرية أوحلة حتى دبا الفجيرة شمالا وهي آخر حدود امارة الفجيرة على الساحل وتبلغ مساحة الإمارة 1165 كليومترا مربعا وهو ما يعادل 1.5 بالمائة من مساحة الدولة.
وتقع المدينة في حضن المحيط الهندي على الساحل الشرقي لدولة الإمارات تستعرض أميالا طويلة من الشواطئ الرملية الذهبية والبحر الأزرق الساحر المتلألئ تحت أشعة الشمس تحيط بها الجبال من أعلى والوديان من أسفل والتي بدورها تحتضن الحصون والقلاع التاريخية القديمة ويحيط بها سور طبيعي من أشجار النخيل الخضراء.
الفجيرة شاهد على امارات الحضارة والأصالة حيث تشتهر المدينة بغناها التاريخي إذ تنتشر فيها مئات الآثار التي تعود إلى حقب تاريخية قديمة وتتوزع بين قلاع عسكرية ومساجد ومدارس وأسواق وحصون.
وتعود الأهمية التاريخية للفجيرة إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام فقد ورد في كثير من المراجع التاريخية انها كانت تعرف في العصور القديمة بأرض /عمالقة البحار/ وتشمل المدن والقرى الرئيسية في إمارة الفجيرة دبا ومربح وقدفع والبدية ومسافي والسيجي.
ومدينة الفجيرة تعود إلى حضارات ما قبل التاريخ ومرت عليها ثقافات الإنسان في كل مراحلها بدءا بالجاهلية إلى المسيحية وتوجت بالفتح الاسلامي كبداية لانتشار التوحيد في منطقة شرق شبه الجزيرة العربية وتؤكد الدراسات التي أعدها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على الجزيرة العربية منذ نهاية القرن الثامن عشر وكذلك المسوحات التي أجرتها هيئة الفجيرة للسياحة والآثار ان تاريخ الفجيرة يمتد إلى ما قبل الميلاد بمئات السنين استنادا إلى بعض المواقع الأثرية التي توجد بها دلائل تعود إلى وقت بعيد.
وأعلنت مؤخرا هيئة الفجيرة للسياحة والآثار عن اكتشاف مستوطنة بشرية بمنطقة قدفع بالقرب من المدفن الأثري تعود إلى بداية الألفية الثانية قبل الميلاد وذلك خلال أعمال موسم البحوث الأثرية الأول /الشتاء الماضي/ الذي تجريه الهيئة بالتعاون مع بعثة الآثار الألمانية بقيادة الدكتورة "كريستينا فايفر" ولا يزال عمل الدراسات والبحوث والتحاليل جاري بالموقع والتي سوف تحدد تاريخ المستوطنة البشرية ومستويات السكن فيها بدقة.
كما أنجزت البعثة العديد من المهام منها تنقيب مواقع مهددة بالخطر وتضمنت هذه المهمة تنقيب أحد الأكوام الحجرية بيضاوية الشكل بمنطقة القرية داخل الساحة الخارجية لمسجد تحت التشييد.
وقد تم تنقيب الموقع بالكامل وكذلك توثيقه وتسجيله وتبين أن الموقع عبارة عن مدفن يقع ضمن مجموعة كبيرة من المدافن التي تشكل "مقبرة" يعود تاريخها إلى عصر "وادي سوق" المقدر تاريخه بالفترة من /1600- 2000 ق م/ وذلك استنادا إلى مقارنة كسر الفخار التي عثر عليها داخل المدفن ولم يعثر إلا على بضعة كسر من العظام يرجح أنها تعود للشخص المتوفى كما تم تكريس النصف الثاني من الموسم للمسح في الأودية البكر وعموم المواقع الثقافية المعرضة للخطر نظرا للتحولات السريعة في الطبيعة والساحل والجزء الشرقي من سلسلة جبال الحجر والعديد من المناظر الطبيعية الثقافية الثمينة والأصلية والمواقع الأثرية المهدد بالزوال.
الفجيرة مدينة تنام على حافة البحر وتصنف مدينة بحرية منذ القدم حيث يقول المواطن الصياد عبدالله محمد سليمان /75 عاما/ في هذا الخصوص ان بحر الفجيرة يشكل بأمواجه ومكنوناته وأعماقه وأسراره وظروفه المتباينة نمطا معيشيا خاصا للأهالي ورسم لهم عنوانا لحياة إنسانية بسيطة تجذرت عروقها في عمق تاريخ المدينة القديم فتشكلت حياتهم تبعا لذلك البحر حتى استطاعوا سبر أغواره فكان صيد السمك مهنة ومصدر رزق وهواية ومتعة في نفس الوقت.
ودائما يروي كبار السن في المدينة قصة الصيد الأولى لأهالي الفجيرة إذ يضيف سليمان انه منذ نعومة أظافري وأنا وأقراني نتعايش مع البحر الذي حمل الآباء والأجداد في رحلات متكررة بحثا عن الصيد والاستفادة من ريعه في الغذاء والاقتصاد.
ويتابع ..منذ سنين عمرنا الأولى ونحن نتعلم كيفية التعامل مع البحر سباحة وغوصا وصيدا حتى أصبحنا اليوم مدركين لماهيته وظروف متغيراته متمكنين من قراءة خريطة البحر الذي يضم في أعماقه كائنات بحرية متنوعة تتجلى فيها قدرة الخالق عز وجل.
 وتمتاز الفجيرة بعمق التاريخ وغنى التراث فبجانب الصيد كمهنة قديمة تزخر امارة الفجيرة بالعديد من الصناعات والحرف التقليدية التي يتمسك بها أهالي الإمارة ويحافظون عليها كتراث عريق ومن أهم هذه الحرف /صناعة الفخار والعرش/.
يقول المواطن أحمد راشد /75 عاما/ ..لعل ما يميز الفجيرة عشقها للحرف والصناعات التقليدية وتميزها بها فالفجيرة حافظت على العديد من الصناعات واستطاع أهالي الفجيرة ان يطوروا من إبداعهم فيها فصناعة الفخار من الصناعات الخزفية التي تألقت وراج سوقها.
ويضيف ..تقوم هذه الصناعة على حرق المادة الخزفية المصنوعة من الطين بدرجة احتراق منخفضة تتراوح بين /900- 1200/ درجة وذلك حسب نوع الطين المستخدم حيث يتحول لون الشكل المصنوع الى أصفر برتقالي او احمر او بني او اسود اللون ومن ثم يتم صقله وتلميعه لمنع تسرب المياه.
ويتابع ..تعتبر صناعات الفخار فنا ابداعيا اخر للإنسان الإماراتي الذي طوع الطين الى اشكال بعد تنظيفه من الشوائب التي يمكن ان تعيق عملية تشكيله ثم يقوم بعملية تنعيمه وتنقيته بطريقة تقليدية ليكون سهل التشكيل ويقوم بعض صناع الفخار باستخدام مواد طينية بلورية ومعالجتها بالرمل واحجار الزينة والصدف الارضي وذلك قبل القيام بعجن الطين في شكله القابل للتشكيل والتصنيع.
ويشير إلى ان سوق الجمعة الواقع على الطريق بين الذيد والفجيرة يعتبر من الأسواق التي تبيع وتروج لهذه الصناعة التقليدية القديمة التي ترجع إلى آلاف السنين والتي اشتهرت بها مناطق الفجيرة ورأس الخيمة نتيجة لوجود الجبال والصلصال الذي يشكل المادة الأساسية للصناعة.
الفجيرة ليست بمدينة عادية فهي مدينة العلم والعلماء ومدينة الاثار والثقافة وقد اتخذت أهمية كبرى منذ الفتح الإسلامي لشرق الجزيرة العربية فمنذ ذلك التاريخ بدأت هذه المدينة بالنمو والتوسع حتى أصبحت مركز الإمارة والآن مدينة إدارية وفكرية مرموقة .
ولا شك أن إمارة الفجيرة تتميز بتراث موغل في القدم متمثل في قلعتها العظيمة والقرية القديمة وسورها الكبير الذي يحيط بها وبمكانة تاريخها الحافل بالأمجاد والعلماء الذين جمعهم منزل المغفور له مؤسس الإمارة وحاكمها الراحل الشيخ محمد بن حمد الشرقي /1942 – 1974/ حيث كان طيب الله ثراه من وجهاء وأعيان الجزيرة العربية تقلد مكانة سامقة في إمارته وبين جماعته فكان مقره منتدى للأدباء والشعراء والعلماء الذين كانوا يقصدون حاكمها لما حظوا به عنده من عناية ورعاية وتشجيع .
ومن هذا المقر تعلم صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة واكتسب الحكمة والخبرة المطلوبة وتعرف على مهام ومسؤوليات الحكم من خلال معايشته لوالده فكانت مهمته في تلك الجلسات هي الاطلاع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد المؤسس في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه مما أكسبه خبرة عظيمة فيما بعد في معالجة شؤون الحياة داخل الإمارة.
وفي تاريخها المعاصر انجبت العديد من المهندسين والاطباء والمحاميين والصيادلة واساتذة الجامعة والوزراء وتعد اليوم مركزا ثقافيا ومنارة للعلم والأدب وتحتضن عدد من الجامعات.
لم تمض سنوات حتى تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة مقاليد الحكم في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر عام 1974 مسترشدا بنهج والده المؤسس الشيخ محمد بن حمد الشرقي في بناء الدولة والمجتمع والسير بهما نحو أعلى المستويات الحضارية.
**********----------********** وتحقق الفجيرة كما في كل مدينة وقرية كما كبيرا من الإنجازات التي أرسى اسسها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وتوسعت عمقا وشمولا عبر مسيرة التطوير والتحديث في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ويدير صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة دفة الأمور بحنكة وذكاء.
وقد شهد عهده الميمون أضخم إنجازات حضارية شهدتها الإمارة وتحققت منجزات متميزة في كافة المجالات توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار مما ساعده على رعاية خطط التنمية الشاملة وإنشاء البنية الصناعية في الإمارة.
وتغيرت ملامح الحياة بشكل جذري في الفجيرة خلال الـ 44 عاما الماضية التي عاشتها الإمارة في ظل اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر من عام 1971 وطالت التغيرات جميع مجالات الحياة الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والثقافية والصحية والتعليمية واضحت منجزات النهضة تطرز جنباتها لتبدو عروسا زاهية تعانق كبريات المدن الإماراتية.
واليوم يدرك سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة حفيد المؤسس وعضد الحاكم ان الفجيرة مدينة تتنفس من عمق التاريخ وترنو إلى المستقبل بمزيد من الأمل لأنها عبارة عن خليط رائع بين الأصالة التاريخية والحضارة المزدهرة وهمه ان يجعل الفجيرة مدينة الأحلام ليعيش مع ابنائها الكرام حاضر مشرق ومستقبل واعد.
وتجتمع في إمارة الفجيرة عبقرية الإنسان والمكان في آن واحد وتتجلى عبقرية المكان في الموقع الجغرافي الفريد والمتميز على بحر العرب وتظهر عبقرية الإنسان في وقوع الاختيار عليها لتكون ساحة لمشاريع ذات طبيعة استراتيجية مثل مشروع بناء خط حبشان أبوظبي الذي يتفادى مضيق هرمز ويعد مشروع خط حبشان أبوظبي المملوك لشركة الاستثمارات البترولية بحكومة أبوظبي /أيبيك/ وتصل كلفته إلى 4,2 مليار دولار /ما يقارب 15 مليار درهم/ ويسمح بتصدير ما يزيد على 1,5 مليون برميل من النفط الخام يوميا من أهم المشاريع الواقعة في المنطقة البترولية /فوز/ والتي تفوق الاستثمارات بداخلها 19 مليار درهم الآن .
واكتسبت الفجيرة الواقعة على الساحل الشرقي شهرتها من كونها مركزا تجاريا فميناؤها يعد من أكثر الموانئ الإماراتية نشاطا وحركة على مر التاريخ ومن وقوعها على ساحل البحر حظيت بمكانتها المتميزة هذا الموقع جعلها تحتل مكانة متميزة في التاريخ الإماراتي فميناء الفجيرة يعد اليوم بوابة بحرية رئيسة للإمارات.
وتوجد في الفجيرة مواقع جبلية خلابة وهي الهدف الرئيسي للسياحة هناك بالإضافة إلى السواحل ومناطق الغوص وبعض الينابيع الجبلية والشلالات وقد بني ميناء الفجيرة في عام 1982 ويعتبر الآن المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط .
ويشمخ جامع الشيخ زايد بالفجيرة كصرح اسلامي تتجلى روعته المعمارية لتواكب المآثر الخالدة بالدولة التي تحكي بكل فخر حضارة الإماراتيين وروائع إبداعاتهم الهندسية .. وحظيت الفجيرة بهذا الصرح بمكرمة سامية من المؤسس المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه ضمن الأعمال الجليلة لباني ومؤسس الإمارات الحديثة والذي أولى بيوت الله اهتماما واعمارا خاصا ويتميز بموقعه في قلب المدينة ممهدا لعباد الله سهولة أدائهم لشعائر الصلوات الخمس وصلاة الجمعة المباركة خاصة في هذا الشهر الفضيل.
وأضحى هذا الجامع منارة دينية وعمرانية شامخة تعد إضافة نوعية لما تشهده الإمارات من حركة عمرانية وإنمائية على جميع المستويات وفي الوقت ذاته يعكس اهتمام القيادة الرشيدة في الدولة بتعمير بيوت الله عز وجل وتوجيهاتها المتواصلة للارتقاء بالمساجد والنهوض برسالتها في أداء دورها في المجتمع والإسهام في تجسيد الصورة الحضارية لديننا الإسلامي الحنيف.
ويعد جامع الشيخ زايد بالفجيرة ثاني أكبر جامع في دولة الإمارات العربية المتحدة ويشرف على إدارته مركز جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي التابع لوزارة شؤون الرئاسة ويتسع لنحو 28 ألف مصل حيث تسع القاعة الرئيس للصلاة لنحو 12 ألف مصل بينما تستوعب قاعة صلاة النساء لنحو 4 آلاف مصلية في المقابل تستوعب الساحة الخارجية للجامع نحو 12 ألف مصل.
ويشرف على إدارة جامع الشيخ زايد بالفجيرة وتسيير أموره الإدارية والتنظيمية مركز جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي الذي يحظى برعاية ومتابعة من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة ليكون نواة للحركة الثقافية والفكرية التي تتمحور حول الجامع انطلاقا من القيمة الثقافية والوطنية التي تعبر عن المفاهيم والقيم التي رسخها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" والتي تشكل امتدادا للهوية الوطنية المستلهمة من تعاليم ديننا الحنيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق