الجمعة، 5 أكتوبر 2018

نبي الله يعقوب عليه السلام..خطبة الجمعة اليوم بجميع مساجد الدولة

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أرسل رسله معلمين، وجعلهم هداة للمقتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله).
أيها المسلمون: لقد اختار الله تعالى الأنبياء والمرسلين، وفضلهم على العالمين، وجعلهم أئمة هدى للعابدين، قال عز وجل :(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا). ليقتدي الناس بهم، ويهتدوا بسيرتهم، قال سبحانه:( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده). ومن هؤلاء الأنبياء، والصفوة الأتقياء: نبي الله يعقوب عليه السلام، الذي نشأ في بيت علم وحكمة، تلقى فيه قبسات النبوة، فهو النبي ابن النبي ابن النبي، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، عليهم السلام أجمعين، وقد أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، فقال عز وجل:( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار* إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار* وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). كما مدح الله تعالى يعقوب عليه السلام؛ بالعلم الذي آتاه الله إياه، فقال سبحانه:( وإنه لذو علم لما علمناه). فلنأخذ قبسا من فيض علمه وحكمته، وقيمه الإيمانية والتربوية، التي نشأ عليها أبناءه.
عباد الله: لقد أمضى يعقوب عليه السلام حياته في طاعة ربه، ودعوة قومه، وتربية أبنائه، فلم يترك نصيحة إلا أداها لهم، ولم يدخرها عنهم، فغرس قيم الإيمان في نفوسهم، وأكد على توثيق صلتهم بربهم، قائلا لهم:( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون). وحرص عليه السلام على أن يستمروا في طاعة الله تعالى من بعده، فقال لهم:( ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون).
وعزز عليه السلام في قلوبهم صدق التوكل على الله تعالى، لذلك قال لهم:( إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون). أي: به وثقت أن يحفظكم، ويحميكم ويرعاكم، فمن توكل على الله كفاه كل ما أهمه، قال الله تعالى:( ومن يتوكل على الله فهو حسبه). كما غرس يعقوب عليه السلام في نفوس أبنائه الثقة بالله تعالى، والتمسك بالأمل والتفاؤل، فإنه قال لبنيه:( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). فأمرهم ألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله، فما أعظم الأمل تنال به المطالب، ويثمر كل خير.
أيها الآباء الفضلاء: لقد مد يعقوب عليه السلام جسور الثقة بينه وبين أولاده، فعندما رأى يوسف عليه السلام رؤياه؛ ما وجد أقرب إلى قلبه من أبيه ليقصها عليه، فقال:( يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين). وهكذا يجب أن تكون العلاقة بين الابن وأبيه؛ قائمة على الثقة المتبادلة، والحوار البناء. ولما استمع يعقوب إلى رؤيا ابنه يوسف عليهما السلام؛ خشي تسلل الحسد إلى نفوس إخوته، وأن يوقع الشيطان العداوة بينهم، فقال:( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين).فالأب الواعي الحكيم ينصح أبناءه بما ينفعهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويزرع المحبة بينهم، ويجنبهم أسباب الخلاف، فيغلق على الشيطان سبله ومنافذه، ليكونوا أسرة واحدة، مترابطة متماسكة.
أيها المسلمون: ولقد كان يعقوب عليه السلام حريصا على سلامة أبنائه؛ يبعدهم عن كل ما يضرهم، فحين أرادوا السفر ودعهم بوصية غالية، ونصيحة ثمينة:( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة). فإنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وخشي أن تصيبهم العين. وهذا من علمه وحكمته عليه السلام. فليحرص الآباء على سلامة أبنائهم، ويحصنوهم من الحسد، ويعوذوهم بالله تعالى من العين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« استعيذوا بالله، فإن العين حق».
عباد الله: يعلمنا يعقوب عليه السلام: أن معالجة أخطاء الأبناء تحتاج إلى صبر وحكمة، فعندما نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام وإخوته، كان يعقوب عليه السلام حليما مع أبنائه، حكيما في تعامله معهم، صبورا على تربيتهم، فلم يزجرهم ولم يعنفهم، مع علمه بسوء صنيعهم، وإنما بين لهم خطأهم، وعظم ما فعلوه، فقال لهم:( بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون). وظل يعقوب عليه السلام مع غياب ابنه الآخر ثابتا على صبره، راضيا بقضاء الله وقدره، لم تتزعزع في الله ثقته، ولم ينقطع فيه أمله، فقال لأبنائه:( فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم). يغرس بذلك في نفوسهم قيمة الصبر والتحمل. فما أجمل الصبر يستعان به على الشدائد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر».ولقد صبر يعقوب عليه السلام على أبنائه مدة طويلة حتى فاز بمقصوده، وأسعد الله قلبه باجتماع بنيه، فإن الصبر مفتاح الفرج.
فاللهم ارزقنا حسن الاقتداء بهدي الأنبياء، واجعلنا من عبادك الأنقياء الأتقياء، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم، وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، اللهم بك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، نشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا ونبينا محمدا عبدك ورسولك، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: تعلمنا قصة يعقوب عليه السلام: أن الصبر على تربية الأبناء، وحسن التعامل معهم يثمر كل خير، فقد من الله تعالى على يعقوب عليه السلام باجتماع أبنائه، والتأليف بين قلوبهم، فندموا على فعلهم، وأقروا بخطئهم، قال الله تعالى:( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين). فما كان منه عليه السلام إلا أن قال لهم:( سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم). فلم يكتف عليه السلام بالعفو والصفح عنهم، بل وعدهم أن يسأل الله تعالى لهم المغفرة؛ ليعلم الآباء أن يعفوا ويصفحوا عن أبنائهم، ويدعوا لهم بالخير، ويتجنبوا الدعاء عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». فهل نتأمل هذه الفوائد الغالية؟ ونربي أبناءنا على هذه القيم الفاضلة؟ نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد لكل خير، واحفظه بحفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،اللهم ارحمهم رحمة واسعة من عندك، وأفض عليهم من خيرك ورضوانك. وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا أكرم الأكرمين، فأنت على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم احفظ لدولة الإمارات استقرارها ورخاءها، وبارك في خيراتها، وزدها فضلا ونعما، وحضارة وعلما، وبهجة وجمالا، ومحبة وتسامحا، وأدم عليها السعادة والأمان يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، واجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه. اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا هنيئا واسعا شاملا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.
وأقم الصلاة.